لقد تحدى تغير المناخ المزارعين والباحثين على حدٍ سواء لفهم أفضل لكيفية تأثير درجات الحرارة خاصة الحرارة العالية أو البرودة على تطور نبات عنب المائدة عبر الأصناف ، وخلال دراسة وفهم المراحل الفينولوجية للعنب يساعد ذلك مزارعي العنب على التكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ، وذلك لأن فينولوجيا العنب حساسة للغاية لدرجة الحرارة. حيث يجب أن تتعامل زراعة العنب وبشكل عام الزراعة دائمًا مع تقلب الظروف البيئية وتأثيرات التغيرات المناخية.
لقد أثرت الزيادة في درجة الحرارة التي ميزت السنوات السابقة على قطاع زراعة العنب بطرق مختلفة ( و سنتناول الحديث عنها فى وقت لاحق ) ، ويمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تأثيرات إيجابية أو سلبية على إنتاج العنب ، ولذلك ينبغي توقع استجابات مختلفة في كل مناطق زراعة العنب في مصر اعتمادًا على كل منطقة ومقدار التغيير، قد يكون لهذا آثار إيجابية أو سلبية على جودة عنب المائدة.
هناك حاجة إلى استراتيجيات التكيف لمواصلة إنتاج عالي من الكم والجودة ، ويعد التكيف مع تغير المناخ مفتاحًا لمستقبل قطاع الزراعة، وهي قطاع اقتصادي ضعيف بشكل خاص حيث تعتمد بشكل كبير على الظروف الجوية والمناخية ويمكن تعريف التكيف مع تغير المناخ على نطاق واسع بأنه “مجموعة الإجراءات والعمليات التي يجب على المجتمع والمزارعين اتخاذها للحد من الآثار السلبية للتغيرات وتعظيم تأثيرها المفيد وتقليل الآثار الضارة .
في حالة زراعة العنب تكون أدوات التكيف المحتملة عديدة، وتشمل كلاً من التوقيت الزمني للعمليات الفنية على طول سلسلة الإنتاج – من المزرعة إلى إدارة المحاصيل السنوية وصناعة عنب المائدة، وسنحاول أن نُلقي مزيد من الضوء على تأثر مرحلة تفتح البراعم بدرجات الحرارة المختلفة.
إن عملية تفتح البراعم مرحلة فينولوجية رئيسية، لأنها تحدد بداية نمو شجرة العنب في الموسم الجديد وبالتالي إستمرارية مراحل النمو الخضري والثمري المتعاقبة حسب تأثرها بالتغيرات المناخية الموسمية، لذلك يعد اختيار الصنف أمراً بالغ الأهمية لتحسين الإنتاج في موقع معين وللحد من أي آثار سلبية للإجهاد الحرارى سواء الحرارة العالية أو المنخفضة .
تتفتح البراعم بعد مرحلة السكون ويمكن تقسيم السكون إلي فترتين متميزتين ( السكون الداخلي والسكون البيئي) ، يرتبط السكون الداخلي بالقيود الفسيولوجية لحدوث تفتح البراعم ويتميز بتثبيط النمو وتوقف انقسام الخلايا وانخفاض النشاط الأيضي والجهاز التنفسي، في حين أن السكون البيئي هو مرتبط بالعوامل البيئية لحدوث التفتح و يرتبط عمومًا بدرجات الحرارة المنخفضة، ويرجع ذلك إلى الظروف البيئية غير المناسبة لنمو البراعم النشطة. يتم كسر أو تفتح البراعم بعد الإنتقال إلى فترة ما بعد السكون و يكون بعد فترة من انخفاض في درجات الحرارة خلال الشتاء. قد لا يكون شرط البرودة إلزاميًا لكسر حالة السكون في جميع أصناف العنب، على الرغم من أنه في قلة البرودة تفتح براعم العنب يكون محدود وغير متجانس ،ومع ذلك بمجرد استيفاء وحدات باردة كافية، يتم كسر حالة السكون. من المفترض أن يتم تحقيق التفتح الطبيعي بعد فترة تبريد حوالى أسبوع واحد مع متوسط درجات حرارة تتراوح من 0 درجة مئوية إلى 10 درجات مئوية. وأن البرد الشديد الممتد أثناء السكون يعزز تفتح البراعم بشكل قوى وليس فقط للبراعم الأولية (البرعم الرئيسي) ولكن أيضًا للبراعم الثانوية والثالثية من نفس البرعم المركب. بمجرد كسر السكون الداخلي سيعتمد “موعد” تفتح البراعم لصنف معين على درجات الحرارة الدافئة. يرتبط تاريخ تفتح البراعم عمومًا بدرجات الحرارة المتراكمة التي تزيد عن 10 درجات مئوية، والتي تتوافق مع درجة الحرارة الأساسية لنمو البراعم.
بشكل عام، شجرة العنب في فصل الشتاء الدافئ وتأثيرات المناخ الأكثر دفئًا تعمل على الإشباع المبكر لمتطلبات التبريد المتعلقة بالسكون الداخلي وعلى النهاية المبكرة للسكون البيئي. ونتيجة لذلك، يمكن أن تؤدي درجات الحرارة الدافئة خلال فصل الشتاء إلى توقع تفتح البراعم المبكر حيث يمكن أن يؤدي توفر درجات الحرارة العالية بعد رش كاسرات السكون إلي تسريع المراحل الفينولوجية لشجرة العنب، مما يزيد من خطر أضرار الصقيع خلال أحداث البرودة التي تحدث بعد رش كاسر السكون ، ومن الممكن أن تتفاقم هذه الأحداث.
تعتمد قابلية شدة التأثر بالصقيع على العديد من العوامل، بما في ذلك نوع الصنف ( الصفات الوراثية )، والظروف البيئية قبل الصقيع والتجمد منها (نقطة الندى ووجود الرطوبة السطحية)، واحتمال تكون البلورات الثلجية داخل النسيج ، ومرحلة التطور الفينولوجي.
يمكن تحمل الصقيع نسبيا عندما تتوفر كمية احتياطيات الكربوهيدرات المخزنة والتي توفر الطاقة عند تمثيلها، فإن استهلاك احتياطي الكربوهيدرات بعد تفتح البراعم سيعتمد على عدد البراعم الموجودة على الشجرة الواحدة وقوة التخزين بعد انتهاء المحصول في العام السابق. وتستمر العيون في تحمل الصقيع حتي تصل إلي النقطة التي تستنفذ فيها هذه الإحتياطيات و فى هذه الأثناء تقرر الخلايا خاصةً فى البرعم المركب ( الاكثر نشاطاً و الأكثر إحتواءاً على الماء الحر خلال فترة بداية النشاط ) و علي برنامج موت الخلايا المبرمج وتوفير باقي عناصر الخلايا الي خلايا وانسجة نباتية أكثر أهمية اخري للمحافظة علي بقاءها وعلي حسب شدة الضرر تكون مخاطر الصقيع أكبر بالنسبة للبراعم في الخريف (ناتج من التفتح المبكر جداً حيث يقوم بعض المزارعين برش كاسر السكون خلال بدايات الخريف) أو الربيع (رش كاسر السكون في فصل الشتاء)، ويزداد خطر تلف الصقيع بشكل كبير مع تقدم نمو البراعم، وبمجرد مرور مرحلة نمو “التصويف”، تصبح البراعم أكثر حساسية للصقيع، وتصبح الأضرار اللاحقة أكثر اتساعًا. قد تؤدي الإصابة بالصقيع وحدوث تجمد للخلايا إلى إتلاف النورات الزهرية أو موت أكتاف العنقود أو الأزهار على البراعم، في حين أن أحداث التجميد المبكرة أو الشديدة يمكن أن تقتل البرعم الرئيسي. وتمتد شدة الإصابة بضرر الصقيع من إصابة العناقيد الزهرية والأوراق والبراعم إلي القدرة على التأثير على المحصول ليس فقط في الموسم الحالي، ولكن أيضًا في الموسم التالي. تفقد الأنسجة التالفة انتفاخها سريعًا وتصبح داكنة تمامًا، وتتحلل بعد فترة.
بعد تفتح البراعم، تكون درجات الحرارة الضارة عامةً أقل من 4 مئوي، وتصبح الأوراق والبراعم الجديدة عرضة للصقيع أو التجمد لدرجات حرارة تقل عن 0 درجة مئوية. قد يحدث موت للبرعم الرئيسي فقط في العين أو يمتد الموت إلي البرعم الثاني أو الثالث (موت العيون) أو يمتد الموت إلي الطراحات ويبدأ الموت من بداية طرف الطراح الشتوي ويمتد إلي الداخل وهكذا حسب شدة الصقيع والتجمد واستمراره ، وفي أصعب الحالات تموت الأنسجة كلها وأخر ما يموت في شجرة العنب أنسجة الخشب حتى تموت الشجرة بأكملها والنتيجة المتوقعة لهذه الأحداث هي على الأقل انخفاض في إنتاجية الإنتاج، ولكنها قد تؤثر أيضًا على جودة العنب.
(شكل موت العيون داخل الطراحات قبل التفتح)
تؤدي درجة الحرارة أثناء انتفاخ البراعم وتفتح البراعم إلى تغيير عدد الأزهار المشكلة على العنقود الزهري حيث تعمل البرودة علي زيادة عدد الأزهار في العنقود الزهري.
تؤدي درجة الحرارة الباردة أقل من 10 مئوي بعد تفتح البراعم وبداية خروج النموات إلي قلة النمو عن طريق خفض معدل إنتاج توزيع احتياطات التخزين مثل الكربوهيدرات والبروتينات المخزنة من المواسم السابقة و بالتالي قلة قابلية توسع جدار الخلية وتثبيط التنفس بواسطة درجة الحرارة المنخفضة و يؤدي إلى توقف سريع لتفكك جدار الخلية وبالتالي تمدد الخلية ، وعن طريق منع تمدد الخلية فإن قابلية التمدد المقيدة لجدار الخلية تمنع أيضًا إنقسام الخلية ،وتزداد مدة انقسام الخلايا بشكل كبير مع انخفاض درجة الحرارة وتزيد من صلابة أغشية الخلايا السائلة ويحدث تقيد انقسام الخلايا أكثر من عملية التمثيل الضوئي و يميل السكر والنشا إلى التراكم في الأوراق.و تصبح عضيات التمثيل الضوئى فى الخلية ( البلاستيدات الخضراء chloroplasts ) خلال الموجه الباردة حساسة بشكل خاص للإجهاد البرودة ، ويحدث تورم وانتفاخ البلاستيدات الخضراء وتشويه أغشية ثيلاكويد ونضوب النشا ( عدد و حجم حبيبات النشا ) إذا تم تناقصه داخل البلاستيدات الخضراء عادة ما تكون أول علامات مرئية مجهريًا لإصابة الصقيع ، وتؤدي البرودة أيضًا إلى حث تكون الكالس الذي يسد الخيوط الأندوبلازمية مما يقلل من تحميل اللحاء و نقل اللحاء والإنخفاض في التمثيل الضوئي تحت درجات حرارة البرودة بسبب تثبيط التغذية المرتدة بسبب تراكم السكر.
الإنخفاض في إنقسام الخلايا بسبب الإجهاد البارد والحرارة (بسبب الحساسية الحرارية لإنتاج ونقل السيتوكينين، قد تكون السيتوكينينات غير فعالة في درجات حرارة منخفضة عن طريق تحويل الشكل النشط إلى شكل تخزين والخشب ينقل كمية أقل من السيتوكينين من الجذور).
يتراكم السكر في الأوراق لإنقسام الخلايا وبالتالي يتوقف النمو عند درجة حرارة منخفضة وهو ما يقلل من الطلب على المواد المستنفذة في الأنسجة المستهلكة وقد يؤدي إلى زيادة المعروض من الكربون الثابت. تحت البرد الطويل قد تتفكك البلاستيدات الخضراء تمامًا حتى تصبح الأوراق صفراء. تتحول الأوراق أيضًا إلى الإصفرار عندما تتطور تحت ظروف البرودة لكن ربما يرجع ذلك إلى عدم القدرة على إنتاج بروتينات thylakoid والذي يسبب انبعاج وتشوهه الأوراق ثم اصفرار النموات نتيجة تحلل الكلوروفيل ودرجة الحرارة منخفضة للغاية يمكن أن يسبب تلف أنسجة العنب. يعتمد نوع الضرر ومداه على ما إذا كانت تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون نقطة التجمد وتبدأ شجرة العنب بالتضحية بالعنقود (إجهاض العناقيد) لأن العناقيد في بداية نمو النموات حتى قبل التزهير ليست ذات أهمية فى حياة الشجرة أو تموت بعض أكتاف العناقيد وتركز على بقاء قمم نمو البراعم والأوراق النامية على قيد الحياة (لون الإحمرار في قمم النمو هو لحماية هذه القمم من البرودة مثل الفينولات الفلافونويدات وغيرها) .
(صورة توضح بداية أعراض الصقيع على النموات الحديثة وتشوهه البلاستيدات والأوراق)
.
(الصقيع واصفرار واحمرار الأوراق نتيجة تحلل الكلوروفيل )
تأثير الصقيع علي موت العناقيد (اجهاض العناقيد)
( موت اكتاف العناقيد )
(موت النمو الخضري)
(تفتح البرعم الثاني والثالث بعد موت البرعم الرئيسي في اليمين وفي اليسار موت البرعم الرئيسي)
وفي حالة ارتفاع الحرارة بعد رش كاسر السكون يحدث تطور سريع للعمليات الفسيولوجية داخل الخلايا وبالتالي تعمل على سرعة التفتح وخروج براعم النموات الخضرية في فترة قصيرة حيث الزيادة في درجة الحرارة يسرع ويضغط البرنامج الزمني لتنمية النبات – إلى الحد الأقصى – طالما أن العوامل الأخرى لا تحد من النمو بعد رش كاسر السكون .
يؤثر الشتاء الدافئ والحرارة أثناء فترة السكون على شكل واكتاف العنقود الناتج حيث يقلل عدد الأكتاف وحجمها .
تؤدي درجة الحرارة أثناء انتفاخ البراعم وتفتح البراعم إلى تغيير عدد الأزهار المشكلة على العنقود الزهري حيث تعمل الحرارة العالية على انخفاض عدد الأزهار في العنقود الزهري.
تؤثر درجات الحرارة بعد رش كاسر السكون وأثناء التفتح وبعده على نمو وتجانس عدد البراعم الناتجة.
الحرارة العالية بعد التفتح تؤثر على النموات الخضرية وتسبب لها الاجهاد الحراري ، وعادة ما يتم تعريفه على أنه درجات الحرارة التي ترتفع أكبر من 5 درجة مئوية فوق تلك المرتبطة بظروف النمو المثلىـ تتسبب درجات الحرارة المرتفعة للغاية فوق 40 درجة مئوية إلي انخفاض حاد في عملية التمثيل الضوئي إلى تعطيل السلامة الوظيفية لآلة التمثيل الضوئي في البلاستيدات الخضراء وتزيد الحرارة المسافة الفيزيائية بين أصباغ جمع الضوء ومركز التفاعل في النظام الضوئي الثاني PSII
نظام انقسام المياه لـ PSII حساس جدًا للحرارة وبالتالي تمنع الحرارة نقل الإلكترون الذي يحركه PSII بينما نشاط النظام الضوئي PSI هو أكثر استقرارًا للحرارة ، أيضا إنزيمات التمثيل الضوئي المشاركة في استيعاب CO2 والتي هي مستقرة إلى أكثر من 50 درجة مئوية.
الإجهاد الحراري يؤدي إلى تشويه البروتين وإخفاء البروتينات المجمعة حديثًا ويزداد تعطيل بروتينات rubisco بشكل كبير مع زيادة درجة الحرارة وشدة نشاط rubisco تنخفض بقوة فوق 35 درجة مئوية والثغور تبدأ في الإغلاق فوق تقريباً ما يقرب من 35 درجة مئوية فإنه يبدو أن هذا هو رد فعل على التمثيل الضوئي المنخفض.
يمكن أن تتطور أعراض الحرارة العالية والتي يصاحبها شدة إضاءة عادةً على أنها التعبير عن الضرر التأكسدي الناتج عن مزيج من شدة الضوء العالية والحرارة العالية. عادة ما ينتج الإجهاد الحرارى ( الحرارة العالية والباردة) شوارد الأكسجين التفاعلية الحرة مثل الهيدروكسيل وفوق أكسيد الهيدروجين والتي تسبب تفكك أغشية الخلايا وتسبب تغيرات الأغشية الدهنية وتمسخ البروتينات الغشائية. تعطل الهياكل الغشائية لا رجعة فيه ويؤدي إلي تسرب محتويات الخلية وانهيار الخلية والتي عادة ما تكون قاتلة للخلايا. هذا وعادةً ما يصاحب الإرتفاع الشديد والصقيع إجهاد مائي أيضاً.
ويزداد تأثير أضرار الحرارة داخل الصوبة التي لا يتم فيها إدارة جيدة لدرجات الحرارة من حيث الإرتفاع الشديد والمفاجئ نهاراً والإنخفاض الشديد داخل الصوبة ليلاً، حيث يعمل هذا الفرق الكبير بين درجات الحرارة في النهار والليل إلي زيادة وسرعة الأعراض السابقة علي شجرة العنب بسبب صعوبة تأقلم شجرة العنب علي هذه الإختلافات و صعوبة التمثيل الضوئي الجزئي للنموات ( تقوم الأوراق الحديثة بالتمثيل الضوئي وإنتاج الكربوهيدرات وتقوم بتغذية نفسها جزئياً وتأخذ الباقي من الكربوهيدرات المخزنة) الخضرية وتحت الحرارة العالية تحاول شجرة العنب الحفاظ علي البروتينات من التلف بإنتاج المزيد من بروتينات الصدمة الحرارية وهذا يستهلك المزيد من طاقة النبات وبذلك لا يتبقى للنبات طاقة كافية لمواجهة الإنخفاض الشديد في درجات الحرارة ليلاً.
ولمساعدة شجرة العنب على مواجهة التحديات خلال تفتح البراعم والخروج منها بسلام بأقل الأضرار هذا ما سوف نتحدث عنه في لقاء اخر قريب إن شاء الله.
يناير/ 2024
إعدادم. أحمد عبد التواب